عندما ينحرف الإحصاء عن الطريق المستقيم/POLITICS



 



طنجة:محمد الزيدي

كان الصباح باكرا،وجلنا قد أنهكته مصاريف الصبف،ويضرب الأخماس في الأسداس،فيما يرى صغاره وقد أنهكوا جيبه يطالبونه بشراء حاجات غير ضرورية،وهو يعرف أن جيبه مثقوب وللعلم لا يحسب نفسه من كبار الموظفين،كما أنه في حياته غير منخرط في النقابات ولا يعول عليها وأكثر من هذا لا يصدق خرجات النقابيين وممثليهم وهم يحتشدون أمام مايكرفونات الصحافة ليدلوا بتصريحات لغة خشبية لا تصدقها حتى عائلاتهم.

كان المطموس القنفوذي يهم برحلة إلى مدينة طنجة في زبارة تنفيسية وربما أخذ موعدا مع حفنة من أصدقائه في حانة "ثقب في الحائط" التي يديرها صديقه الفحصي وقد يدردش معهم وأغلبهم يشتغل حراسا في السجن المدني بمنطقة "سكدلا" التي تبعد عن حانة"دينس بار"



صورة لحانة دينس بار التقطها الكاتب بكاميراته

بحوالي ستة عشر كيليمترا لكنه أصبح منذ ثلاث سنوات يفضل الثقب عن دينس لأن الأخير أصبح خاصا بالشواذوأهل اللواط وقد وصلته معلومات من أخيه الذي يشتغل بارمان هناك أن صاحب الحان العجوز تشاجر مع ميكانيكو للانتشات التي تعبر مضيق جبل طارق نحو مرفأ الجزيرة الخضراء بشبه الجزيرة الإيبيرية ،وقد توفي بسبب ذلك وأتى إبنه الذي اعتنق الفكر السلفي الوهابي المتشدد وقرر إغلاق الحانة بدون تردد.

وبالرغم من أن صاحبنا يشتغل معلما بمدينة تمارة رغم أن مسكنه بحي التقدم بالرباط قرب الشاطو بالضبط وفي بدايات دوار الحاجة المخيف وقد تزوج ببنت إحدى الكرابة بدوار الدوم،لقد نصحته زوجته بأن يشتغل في الإحصاء باعتبار أن المندوب السامي للإحصاء يفضل رجال التعليم ليقوموا بالمهمة بحكم قربهم من الساكنة ودرايتهم بفن التواصل إلى جانب انضباطهم لكنه لم يسجل إسمه وقرر الرحلة إلى طنجة.



مبدئيا هو ينتسب إلى إحدى الأحزاب التقدمية التي كان يقودها إحدى القامات المغربية ومعه ليس القليل من الكاريزما والأناقة السياسية وتضرب له الدوائر الحكومية ألف حساب،إضافة لضغط زوجته التي يفوق وزنها ثمانين كيلوغراما مستديرة الجسد لا يلاحظ عليها تشحما وانتفاخ الأوراك كما أن بعض الشعيرات بدأت تنمو في ذقنها وقد تجد حرجا في الخروج نحو جزار أو خضار دون أن تحلق تلك الزغيبات الطفيلية بمعنى أنها حريصة على أنوثتها وتقاوم خجلها في التكلم عند الخضار دون أن تضع يدها على فمها بحكم سقوط أكثر من سن في فمها،وتتذكر جيدا لما تشاجرت مع إحدى الدكاليات في الحمام وكانت بالمناسبة جلاسة.

أكثر من هذا لا يصدق السياسة الحكومية

وبعتبر جل تحركاتها ألاعيب بهلوانية تريد بها رش الرماد في العيون لقد يئس تماما من كل تحرك عمومي للإدارة خصوصا سياستها في مواجهة المثليين اللذين أصبحوا في عهد الحكومة الحالية يتحركون بقوة ولا يمانعون في الخروج نحو حانات طنجة ليلا بكامل زينتهم، مخنثين ويدخنون سجائرهم بطريقة إغراء لا تفعلها حتى قحاب بورديلات عريقة،وباختصار هو يشك في التحركات الحكومية وبعتبرها ألعوبة في يد صندوق النقد الدولي،إنه مأزق الدول الحديثة عهد بالإستقلال،صحيح أنها تتعهد بتنمية مكياج،لكنها في الواقع لا تتسلل إلى أعماق المجتمع فجل الأجور متجمدة والمستقبل أسود وقاتم.

نعم لقد وصل إلى مدينة طنجة وتوا التحق بديرته في حانة "ثقب في الحايط"لقد عب من الكؤوس مالايحصى وهو بتبع عادة المغاربة لا يكتفون بكأس أو ثلاثة بل هو يفتتح مثل العديدين ببيرة قبل أن يأمر الساقي بفتح قنينة من الروج أو نبيذ"عين الديك" أو "قهوة صهباء" قبل أن يلتحقوا بحانة "جور اينوي"التي كان صاحبها يتصنع بتقليد مغني جبلي منبوذ لم تقم له القيامة منذ أن رجع من مدينة الدار البيضاء حيث كان يغني بإحدى حاناتها لا طيراس قبل أن ينزوي في مجاهل النسيان، وتجاهلته الدائرة الحكومية الوصية على قطاع الثقافة.

ليمونتين سيترون صورة بكاميرا الكاتب م.ز


كان شعاع الفجر يطرق بحشمة شوارع المدينة المبتلةبمطر خريفي ناعم،نعم لم يكن يقوى على المشي ويتحرك بصعوبةولم يجد بدا من مناداة أحد أصدقائه الذي يشتغل في إن دجرايف لقد نادى عليه واستجاب بسرعة، وحمله وتم عائدا نحو فندق منخفض الدرجات اشتراه أحد أصدقائه الذي كان معتقلا سياسيا وعوض من طرف الدولة بحصة مالية لابأس بها استطاع بفضلها شراء فندق وفي أسفله هيأ حانة طلب لها جملة من الفتيات الثيبات ولهن قوة إغرائية في دغدغة عواطف الزبناء القادمون من غمارة وشباب الريف وكتامة وباب برد وهم مسلحون بورق النقد المحصل من "العشبة" مساكين يفوجون عن نفوسهم نتيجة لسياسة حكومية عاقر في إبداع برامج تنموية حقيقية.

نعم أتى طاكسي تيشكو عوض إين درابف كان النهار قد بدأ في الظهور والثمل من السكر قد بدأيخف فعلا طلب من السائق إن كان لا يجد مانعا أن يعرج به نحو شارع الميكسيك عله يقتني حزمة من التشورو وقهوة بالحليب آنبوغطي وما كان من السائق إلا أن لبى طلبه ونزل به نحو سوق الداخل ليقتني من هناك مجموعة من السجائر المهربة الفاقدة لتاريخ الصلاحية ومن السوق الداخل نزل به نحو كاساباراطا ومنها اشترى جريدتين طنجاويتين وفي صفحة الإعلانات كانت المفاجأة المدوية بل الكارثية بل العاملة بجد وثبات لتدمير المغرب.

لقد سرح به الخيال وهو في هول الصدمة أن عملية الإحصاء فعلا انطلقت ومن شأنها أن تعطي دراسة كافية تفصيلية عن أحوال الساكنة بل وتنبه صناع القرار السياسي في المغرب عن الخطوات التدبيرية التي على الحكام أن بلجؤوا إليها درءا لكل المشاكل التي قد تفاجئهم لكن شيئا من هذا لم يحدث وكأنهم في سبات أو تم لسعهم بذبابة التوتسي ،فلا شيئ في هذا البلد يدل على أن الأمور تسير في الطريق الصحيح فالقاعدة هو الخطأ والصحيح هوالإستثناء.

فالمغرب منذ مدة بل وقبل الجائحة التي بالمناسبة وجدتها الحكومة مشجبا تعلق عليه فشلها قبل أن تتعزز بالحرب الأوكرانية الروسية فلماذا ذكرت صفحة الإعلانات بالجريدتين المذكورتين لأنهما يختصران عليك الطريق في الوصول إلى مرادك.

وكما ألفنا أن قانون إنشاء الشركات يحتم على المنشئين لها أو المستثمرين ضمن شرط ناف القيام بإشهارها والإعلان عنها على صفحات إحدى الجرائد التي تحقق رقما توزيعيا محترما وتوزع أو تصدر في مكان إنشاء الشركة...لكن صاحبنا صدم وهو يتفقد صفحة الإعلانات بتلهف وفضول..فلم يجد بغيته ضمن المآت من الشركات المعلن عنها وهذه مصيبة كبيرة لأنه كان يطمح بل يطمع أن يرى شركات منتجة وليس شركات خدمات وهذا يدل على أن القيمين على الشأن الإستثماري لا يولون لحاجيات الشعب أي انتباه واهتمام ولا يلعبون أي دور في توجيه المستثمر نحو الأهداف التي تريد الدولة تحقيقها بطبيعة الحال إن كان لها أهداف أصلا.

نعم الإحصاء يجري  على قدم وساق والذين يخططون له ألفوا العيش في أبراجهم العاجية،

والمصيبة العظمى أنه بعد كوفيد 19 المحسوب كجائحة كبرى مدمرة،إضافة للتيارات الوهابية التي بدأت تغزو مجتمعنا وتغير من عاداته أن الحاجة أصبحت ماسة لذبح الكبش في عيد الأضحى ومنه فإن إبقاؤه للمضاربة به وقت حلول ميقات الأضحية فإن الناس بدأت تضحي بالأغنام خصوصا الإناث الولودة..مما حرف الشعيرة الدينية وأسقطها في يد المضاربين "الشناقة" وكذلك الموردين "الريعيين"وهذا ماكان سيسبب للمغرب كارثة في فقدان الكبش لدى الكسابة بل في ضياع ثروة حيوانية لا تقدر بثمن.

وأملى كل هذا على أمير المومنين الملك محمد السادس التدخل باعتباره المسؤول عن تدبير الشأن الديني وللأضحية عموما علاقة أساسية بذلك ولولا تدخل الملك بإلغاء عيد الأضحى وإصدار أوامر صارمة بعدم التضحية بالأنثى لوقعنا جميعا في المحظور وهو التوجه بالإحتجاج أمام الحكومة بأنها حرمت المسلمين من القيام بشعيرة دينية تتجلى في الأضحية.

فعلا بدأت بعض الإحتجاجات الخافتة هنا وهناك لأن الناس عندنا لا ترى في العيد مجرد شعيرة دينية ولكنها ترى فيه مناسبة للتزاور بين العائلات وأكل اللحم المحرومة منه طيلة السنة بسبب غلائه وارتفاع كلفته زادها زمانة الجفاف وغلاء العلف والهجرة المكثفة من البوادي نحو المدن وتمدن الكثير من قرانا وبوادينا من وجود مدارس تمدنية وطرق إسفلت وألبسة بحيث لا تفرق بينها أي القرى والمدن لقد نسخت بعضها البعض.

لقد تفاجأ القنفوذي،من هول الصدمة لأنه وصل إلى قناعة أن الإحصاء المزمع إجراؤه لا فائدة ترجى منه كما أن المؤسسات المشرفة على الإستثمار لا يحركها ساكن وغارقة في الإستثمارات الريعية من مثل رخص مأذونيات النقل ورخص إسهال المقاهي والبيتزات والبوكاديو ومحلات بيع الألبسة الرياضية المقلدة.

لقد القنفوذي يفكر في اللجوء مرة أخرى إلى حانة"ثقب في الحايط" لكن للأسف السلطة المشرفة على الشأن الديني أعلنت لتوها عن مناسبة دينية يحظر فيها ارتياد أماكن بيع الخمور ويبقى الحل هو اقتناء قنينتان من "الروج"من محل "السوسي"القريب من ساحة المدينة وكما يعرف عن القنفوذي هومن الممتنعين عن شرب الخمر في بيته وأمام عياله،ليس بسبب أنه من أسرة محافظة ولكن بسبب أن النشاط لا يكتمل عنده إلا في حانات طنجة وما أكثرها.

وأمام هذا الوضع الذي أحرجه بدأ يفكر في العودة إلى الرباط...ممتطيا القطار فائق السرعة وهذا ما حصل.





تعليقات

المشاركات الشائعة