طنجة ال COBRA

الكاتب الصحفي المغربي محمد الزيدي
ودعت طنجة زمانا رومنسيا حالما جميﻻ،فمنذ عشر سنوات،كنت تشاهد فيها وأنت في الميناء القديم “المرسى” سفنا للصيد تخرج كل صباح تحت بضع سحابات شبه داكنة نحو أعالي البحار وسط أصوات النوارس،وطقطقة المحركات،وصياح القبطان في رجال البحر باﻹستعداد وأن ياخذ كل مكانه ،مع تحريك منتظم لرادار عنبر القيادة،والتأكد من سﻻمة طابع مؤشرات مصلحة اﻷرصاد الجوية،وداعا لعصر مضى كان يخصص إلى جانب أرصفة الصيد،أرصفة لنقل المسافرين العابرين بين (من وإلى) طنجة والجزيرة الخضراء وجبل طارق.
حاليا يفكك الميناء القديم ويبنى مكانه ميناء ترفيهي يخصص عدة أرصفة لليخوت السياحية،والباقي مقاهي ومطاعم،ومتاجر لبيع وشراء الصناعات البحرية
ومنذ تولي الحكم الملك محمد السادس في بداية القرن الواحد والعشرين ،واللذي يطلق عليه ميجي المغرب أو ملك اﻷوراش الكبرى حتى حول طنجة إلى مدينة محظية ﻷنه ملك له تكوين اقتصادي وقانوني وتلقى تدريبا اقتصاديا في مفوضية اﻹتحاد اﻷوروبي ببروكسيل ،كما نال شهادة دوكتوراه من أرقى الجامعات اﻷورةبية ،ودائما يردد الملك في التقائه بالصحفيين الغربيين على ندرتها أنه يقدر موقع مملكته الجغرافي فهو يرى أوروبا بوضوح خصوصا في نهار جلي بدون غيم من نافذة قصره ويقصد القصر الملكي بالجبل الكبير بطنجة.
قلت لم يهدأ معول البناء منذ 2000م فهكذا خرج ميناء طنجة المتوسطي من مجرد رسم وتخطيط على اﻷوراق ليرى النور متبوعا بالسكة الحديد ومد الطريق السيار ،لقد تم وصف هذه المشاريع لضخامتها وتعليق قناطرها وخرط جبالها بالمشاريع الفرعونية.وتبعت هذه المشاريع بنيات أساسية هيكلية وذات طبيعة خاصة فشباب القرى والدواوير والمداشر في “أنجرة” تم إحداث تبديل في مﻻمحها فعلى صعيد المدارس ذات التكوين اﻷساسي تم بناؤها وفق هندسة وتصاميم مدارس جبال دول أوروبية ومدت الطرق لدواوير معزولة إضافة لربطها بسيارات النقل المدرسي المكيفة.وفيما يتعلق بفتيات اللواتي فاتهن التمدرس أو تعرضن لحمل قسري فأصبحن أمهات عازبات استفدن بشكل كبير من صندوق التنمية البشرية وخضعن لتدريبات وتكوين في ميدان الصناعة التقليدية والبستنة.ولم تطلق هذه المشاريع الكبرى بدون فاتورة أمنية ،فإسبانيا من الدول اﻹستعمارية السابقة للمغرب تحس بغيرة وحسد على جار ﻻتضمر له خيرا أبدا،فهي لم تتردد في تحريك بوارجها البحرية،وهدد أزنار ب”احتﻻل شمال المغرب” ووصف وزير خارجية الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية النزاع المغربي اﻹسباني المفتعل حول جزيرة ليلى القريبة من الجيب المحتل سبة ب”الغبي” ،بينما طارت فرحا الجزائر الجار الشقيق للمغرب ،وكان ختام التضامن واﻹحساس بالغبن هو التضامن الﻻمشروط لﻻتحاد اﻷوروبي مع إسبانيا العضو فيه ضد المغرب .
ولم يحل هذا دون انطﻻق سلسلة من التفجيرات اﻻنتحارية من طرف متشددين إسﻻميين،فضربت مرافق سياحية ومطاعم بالدار البيضاء وفي طنجة سارعت السلطات لتطويق استباقي لعناصر متحفزة أو كانت تعد خﻻيا نائمة لﻹرهاب، وكان لهذا وقع شديد لدى المستثمرين اﻷجانب اللذين كانوا مترددين في طمأنينتهم للوضع اﻷمني على عهد وزير الداخلية اﻷسبق وارتاحوا للعهد الجديد اللذي أدخل تغييرات جذرية على قمم اﻷجهزة اﻷمنية ،ووﻻها لمتصرفين متشبعين بفلسفة حقوق اﻹنسان ولهم دراية بالتطورات التكنولوجية المحدثة وليس لهم سوابق بالتدبير التقليدي للأمن.
وتجاوزت طنجة كل الهواجس اﻷمنية التي تعيق المستثمرين ،بما فيها انتخاب هيآت سياسية من ضمن أولوياتها محاربة الفساد ونهب المال العام،وهكذا تصبح المدينة بين عشية وضحاها محل جلب اقتصادي واستثماري وسط مغريات تشجيعات ضريبية ونظام بنكي فعال وإعداد مناطق حرة لقيام صناعات تركيبية كمنطقة جزناية وبوخالف ومغوغة وملوسة.
وهذا ماتسبب في إغراق طنجة بأمواج هجرة بشرية فاقت التصور،سواء من داخل مناطق المغرب المنسي “غير النافع” أو من بلدان جنوب الصحراء ،وتصوروا معي حجم المشاكل والضغط التي تفاجأت به هذه المدينة ذات النمو السريع ضغط شمل جميع البنيات على مستوى السكن والمستشفيات واﻷمن وفي غياب أية إدارة للهجرة تهتم بشؤونهم من إيواء وإدماج سوسيواقتصادي ،فإنهم لجؤوا لوسائلهم الخاصة فتعاطوا للتجارة غير المهيكلة ونشروا بضائعهم وسط الشوارع الرئيسية معرقلين انسياب سير السيارت والمارة ،مما يعرضهم لفترات متقطعة لمطاردة رجال القوات المساعدة المخزنية ،وﻻ يمنع هذا مهاجرين أفارقة جنوب الصحراء من احتﻻل بالقوة لشقق بالمركب السكني الجامعي ناحية بوخالف وسط ذهول الساكنين والمالكين لتلك الشقق.
وانعكست الهجرة المكثفة وبأعداد كبيرة على قنوات الصرف الصحي فطنجة كما نعلم لم تكن تتوفر على قنوات الصرف الصحي الﻻئقة مما كان يهددها باﻹنفجار بين فينة وأخرى وبالتالي إغراق المدينة في روائح كريهة نتنة تزكم اﻷنوف .وكان يغذي هذا الجو العفن هو إقبال مسؤولي النظافة والشركة التي تدبرها بحرق اﻷزبال بمطرح مغوغة ولو علمنا أن مطرح مغوغة يقع عند مدخل طريق تطوين ويقترب من ناحية عين مشﻻوة حيث يمر ريح الشرقي بقوة مما يعمم نشر الريح المشحون بالعفونة الكريهة لكل المغادرين لطنجة والقادمين لها على حد سواء. وهذا مادفع بالمسؤولين المتعاقبين على البلدية بالتفكير في إيجاد مطارح بديلة بأوﻻد زيان وحتى بقلعية قرب الزينات غير أن مواجهة الساكنة كانت شرسة واستنفرت ضد تطبيق هذا القرار مما جمده لحين غرة على أساس التفكير في إيجاد طرق حديثة بمعايير أوروبية في معالجة النفايات.
وقد عرفت طنجة في اﻷيام اﻷخيرة احتجاجات واسعة ضد شركة أمانديس التي تستغل قطاع توزيع الماء والكهرباء عن طريق التدبير المفوض،وتتهم الشركة من طرف الساكنة بالغش والزيادة اللامعقولة في الفواتير،وقد حصلت هذه الشركة على حق اﻻستغلال إثر تسوية بين دولة المغرب ودائنين فرنسيين منخرطين في نادي باريس،بينما حصل دائنون إسبان على شركة بيع السجائر وجمع النفايات واﻷزبال.

تعليقات

المشاركات الشائعة